الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **
وهي على أصناف الصنف الأول الجبال والأودية والقفار فأما الجبال فهي أوتاد الأرض أرسى الله تعالى بها الأرض حيث مادت لما دحاها الله تعالى على الماء. وقد روي أن الكعبة كانت رابية حمراء طافية على وجه الماء قبل أن يدحو الله الأرض وأن الأرض منها دحيت فلما مادت وأرسيت بالجبال كان أول جبل أرسي منها جبل أبي قبيسٍ بمكة المشرفة فلذلك هو أقرب الجبال من الكعبة مكاناً. وقد نقل أن قاف جبل محيط بالدنيا عنه تتفرع جميع جبال الأرض والله أعمل بحقيقة ذلك. وتوصف الجبال بالعظمة في القدر والعلو وصعوبة المسلك وما يجري مجرى ذلك. وأما الأودية فهي وهاد في خلال الجبال جعلها الله تعالى مجاري للسيل ونبات الزرع ومدارج الطرق وغير ذلك. وتوصف بالاتساع وبعد المسافة والعمق وربما وصفت بخلاف ذلك. وأما القفار فهي: البراري المتسعة الأرجاء الخالية من الساكن. توصف بالسعة وبعد المسافة وقلة الماء والإيحاش وصعوبة المسلك وما يجري مجرى ذلك. الصنف الثاني المياه الأرضية وهي على ضربين الضرب الأول الماء الملح ووقع في لغة الإمام الشافعي رضي بالله عنه الماء المالح وهو أحد العناصر الأربعة وسيأتي في الكلام على الأرض في المقالة الثانية أنه محيط بالأرض من جميع جهاتها إلا ما اقتضته الحكمة الإلهية لعمارة الدنيا من كشف بعض ظاهرها الأعلى وأنه تفرعت منه بحار منبثة في جهات الأرض لتجري السفن فيها بما ينفع الناس. وقد ذكر الحكماء أن في الماء الملح كثافةً لا توجد في الماء العذب ومن أجل ذلك لا ترسب فيه الأشياء الثقيلة كما ترسب في الماء العذب حتى يقال: أن السفن التي تغرق في البحر الملح لا تبلغ أرضه بخلاف التي تغرق في الأنهار فإنها تنزل إلى قعرها وشاهد ذلك أنك إذا طرحت في الماء العذب بيضة دجاجة ونحوها غرقت فيه فإذا أذبت في ذلك الماء ملحاً بحيث يغلب على الماء وطرحت فيه البيضة عامت وقد اختلف في الماء الملح هل هو كذلك من أصل الخلقة أو عرضت له الملوحة بسبب مالا قاه من سبخ الأرض على مذهبين. ومن خصائص البحر الملح أنه في غاية الصفاء حتى إنه يرى ما في قعره على القرب من شطه ويوصف البحر بالسعة والطول والعرض وكثرة العجائب حتى يقال في المثل: " حدث عن البحر ولا حرج ". الضرب الثاني الماء العذب قالت الحكماء: والسبب فيه أن الأبخرة تتصاعد من قعر الأرض فتدخل في الجبال وتحتبس فيها ولا تزال تتكامل ويتحصل منها مياه عظيمة فتنبعث لكثرتها. وهو على ثلاثة أنماط: النمط الأول: ماء الأنهار وهي ما بين صغار وكبار وقريبة المدى وبعيدته وقد وردت الأخبار بأن أفضلها خمسة أنهار وهي: سيحون وجيحون و الدجلة والفرات ونيل مصر والنيل أفضل الخمسة وأعذبها وأخفها ماء على ما سيأتي ذكره في المقالة الثانية إن شاء الله تعالى. وفي الأنهار الكبار تسير السفن. النمط الثاني: العيون وهي مياه تنبع من الأرض وتعلو إلى سطح الأرض ثم تسرح في قني بقد حفرت لها وهي منبثة في كثير من الأقطار. النمط الثالث: البئار وهي حفائر تحفر حتى ينبع الماء من أسفلها ويرتفع فيها ارتفاعاً لا يبلغ أعلاها. وقد اختلف في الماء الذي نبع من الأرض هل هو الذي نزل من السماء أو غيره فذهب ذاهبون إلى أنه هو الذي نزل من السماء محتجين لذلك بقوله تعالى: " وأنزلنا من السماء ماء بقدرٍ " الآية. وذهب آخرون إلى أن الذي نبع من الأرض غير الذي نزل من السماء محتجين بقوله تعالى: " ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمرٍ وفجرنا الأرض عيوناً " ويوصف الماء للاستحسان بالعذوبة والصفاء والرقة والخفة وشدة البرد وفي معناه الشبم ويشبه في شدة البرد بالزلال وهو ما يتربى داخل الثلج في تجاويف توجد فيه فيكون من أشد الماء برداً. الصنف الثالث النبات وفيه ثلاثة مقاصد المقصد الأول في أصل النبات قد ذكر المسعودي في مروج الذهب: أن آدم عليه السلام لما هبط إلى الأرض خرج من الجنة ومعه ثلاثون قصيباً مودعة أصناف الثمر منها عشرة لها قشر وهي الجوز واللوز والجلوز والفستق والبلوط والشاه بلوط والصنوبر والنارنج والرمان والخشخاش ومنها عشرة لثمرها نوى وهي الزيتون والرطبوالمشمش والخوخ والإجاص والغبيراء والنب والعناب ومخيطىوازعرور ومنها عشرة ليس لها قشر ولا نوى وهي التفاح والسفرجل والكمثري والعنب والتين والأترج والخرنوب والتوت والقثاء والبطيخ.
اعلم ان النبات منه ما يوجد في كثير من الآفاق ومنه ما يختص ببعض الأماكن دون بعض وقد حكى أبو بكر بن وحشية في كتاب الفلاحة النبطية: أن ببلاد المغرب الأقصى شجرة ترتفع نصف قامة أن أرجح ورقها كورق الغار إذا عمل منها إكليل ولبسه الرجل على رأسه ومشى أو عدا أو عمل عملاً لم ينم مادام ذلك الإكليل على رأسه ولا يناله من ضرر السهر وضعف القوة ما ينال من سهر وعمل. وفي بلاد إفرنجة شجرة إذا قعد الإنسان تحتها نصف ساعة مات وإن مسها ماس أو قطع منها قلت: ومما يختص بأرض دون أرض البلسان وهو: شجرة لطيفة على نحو ذراع تتفرع فروعاً لا تنبت في سائر الدنيا إلا في الديار المصرية بموضع مخصوص من بلدة يقال لها المطرية على القرب من مدينة عين شمس وتسقى من بئر هناك ويقال: إنه اغتسل فيها المسيح عليه السلام ولذلك النصارى يعظمون البلسان وتتبركون به.
|